الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع
.(فَصْلٌ): اشتراطُ نِيَّةِ الْقَصْرِ: (تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَصْرِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ، وَإِطْلَاقُ الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ مُطْلَقًا: انْصَرَفَ إلَى الِانْفِرَادِ (وَالْعِلْمِ بِهَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ) هَكَذَا فِي الْفُرُوعِ.قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَلَمْ يُعْلَمْ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَالْعِلْمِ بِهَا ا هـ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَعْنَاهُ: الْعِلْمُ بِالنِّيَّةِ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَتْ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَقْصُورَةِ فَإِنَّهُ يَكْفِي اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ حُكْمًا لَا ذِكْرًا، عِنْدَ التَّكْبِيرِ قُلْتُ وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ نَوَى الْقَصْرَ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ، بِأَنْ لَا يَطْرَأَ عَلَيْهِ شَكٌّ هَلْ نَوَاهُ؟ فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ.(وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا الْعِلْمُ بِ (أَنَّ إمَامَهُ إذَنْ) أَيْ حَالَ الصَّلَاةِ (مُسَافِرٌ، وَلَوْ بِأَمَارَةٍ وَعَلَامَةٍ، كَهَيْئَةِ لِبَاسٍ) إقَامَةً لِلظَّنِّ مَقَامَ الْعِلْمِ وَ(لَا) يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ (أَنَّ إمَامَهُ نَوَى الْقَصْرَ عَمَلًا بِالظَّنِّ)؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْعِلْمُ (فَلَوْ قَالَ) الْمَأْمُومُ (إنْ أَتَمَّ) الْإِمَامُ (أَتْمَمْتُ، وَإِنْ قَصَرَ قَصَرْتُ لَمْ يَضُرَّ) ذَلِكَ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَإِنَّ سَبَقَ إمَامَهُ الْحَدَثُ فَخَرَجَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ، عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَإِنْ صَلَّى مُقِيمٌ وَمُسَافِرٌ خَلْفَ) إمَامٍ (مُسَافِرٍ أَتَمَّ الْمُقِيمُ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ) إجْمَاعًا وَإِذَا أَمَّ مُسَافِرٌ مُقِيمِينَ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ صَحَّ،؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ بِنِيَّتِهِ (وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ) الْمُسَافِرُ (لِلْمُقِيمِينَ: أَتِمُّوا فَإِنَّا سَفْرٌ) لِلْحَدِيثِ وَلِئَلَّا يَلْتَبِسَ عَلَى الْجَاهِلِ عَدَدُ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ (وَلَوْ قَصَرَ الصَّلَاتَيْنِ) أَوْ صَلَّاهُمَا بِتَيَمُّمٍ (فِي وَقْتِ أُولَاهُمَا) جَمْعَ تَقْدِيمٍ (ثُمَّ قَدِمَ) وَطَنَهُ (قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ) أَوْ وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَهُ (أَجْزَأَهُ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْفِعْلِ (وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ) مَنْ يُبَاحُ لَهُ (ثُمَّ رَفَضَهُ وَنَوَى فِي الصَّلَاةِ الْإِتْمَامَ أَتَمَّ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ.قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَفَرْضُهُ الْأُولَتَانِ وَهَذِهِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْإِتْمَامُ.(وَلَوْ نَوَى) مُسَافِرٌ (الْقَصْرَ، ثُمَّ أَتَمَّ سَهْوًا فَفَرْضُهُ الرَّكْعَتَانِ وَالزِّيَادَةُ سَهْوٌ يَسْجُدُ لَهَا نَدْبًا)؛ لِأَنَّ عَمْدَهَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مُتَابَعَةِ الْمَأْمُومِ لَهُ وَلَوْ كَانَ إمَامًا.(وَمَنْ لَهُ طَرِيقَانِ) طَرِيقٌ (بَعِيدٌ، وَ) طَرِيقٌ (قَرِيبٌ فَسَلَكَ الْبَعِيدَ لِيَقْصُرَ الصَّلَاةَ فِيهِ) قَصَرَ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ قَصْدٍ صَحِيحٍ وَكَمَا لَوْ كَانَ الْآخَرُ مَخُوفًا أَوْ مُشِقًّا فَعَدَمُ الْحِكْمَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لَا يَضُرُّهُ.قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: مَنْعُ مَنْ قَصَدَ قَرْيَةً بَعِيدَةً لِحَاجَةٍ هِيَ فِي قَرْيَتِهِ، وَجَعَلَهَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَصْلًا لِلْجَوَازِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَلَعَلَّ التَّسْوِيَةَ أَوْلَى (أَوْ) سَلَكَ الطَّرِيقَ الْبَعِيدَ (لِغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ لِغَيْرِ الْقَصْرِ، كَجَلْبِ مَالٍ أَوْ نَفْعٍ، أَوْ نَفْيِ ضَرَرٍ قَصَرَ.قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ قَوْلًا وَاحِدًا (أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ (أَوْ فِي سَفَرٍ آخَرَ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْحَضَرِ قَصَرَ)؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا وَفِعْلَهَا وُجِدَا فِي السَّفَرِ أَشْبَهَ أَدَاءَهَا فَإِنْ ذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ، أَوْ قَضَى بَعْضَهَا فِي الْحَضَرِ أَتَمَّ.التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْإِتْمَامُ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (وَلَوْ نَوَى إقَامَةً مُطْلَقَةً) بِأَنْ لَمْ يَحُدَّهَا بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ (فِي بَلَدٍ، وَلَوْ الْبَلَدُ الَّذِي يَقْصِدُهُ بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ إسْلَامٍ أَوْ فِي بَادِيَةٍ لَا يُقَامُ بِهَا، أَوْ كَانَتْ لَا تُقَامُ فِيهَا الصَّلَاةُ) أَتَمَّ، لِزَوَالِ السَّفَرِ الْمُبِيحِ لِلْقَصْرِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ.الْعِشْرُونَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ) نَوَى إقَامَةَ (أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً) أَتَمَّ لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ صَبِيحَةَ رَابِعِ ذِي الْحَجَّةِ فَأَقَامَ بِهَا الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالسَّابِعَ وَصَلَّى الصُّبْحَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِنًى وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ» وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى إقَامَتِهَا، وَقَالَ أَنَسٌ أَقَمْنَا بِمَكَّةَ عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ حَدِيثَ أَنَسٍ وَيَقُولُ: هُوَ كَلَامٌ لَيْسَ يَفْقَهُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَجْهَهُ: أَنَّهُ حَسَبَ مُقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى وَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ غَيْرُ هَذَا.الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ الْمَذْكُورَةُ بِقَوْلِهِ (أَوْ شَكَّ فِي نِيَّتِهِ هَلْ نَوَى) إقَامَةَ (مَا يُمْنَعُ الْقَصْرَ أَمْ لَا؟ أَتَمَّ)؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ مَعَ الشَّكِّ فِي مُبِيحِ الرُّخْصَةِ.(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً بِأَنْ نَوَى عِشْرِينَ فَأَقَلَّ (قَصَرَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَوْمُ الدُّخُولِ وَيَوْمُ الْخُرُوجِ يُحْسَبَانِ مِنْ الْمُدَّةِ) فَلَوْ دَخَلَ عِنْدَ الزَّوَالِ احْتَسَبَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ وَلَوْ خَرَجَ عِنْدَ الْعَصْرَ احْتَسَبَ بِمَا مَضَى مِنْ الْيَوْمِ.(وَإِنْ أَقَامَ) الْمُسَافِرُ (لِقَضَاءِ حَاجَةٍ) يَرْجُو نَجَاحَهَا أَوْ جِهَادِ عَدُوٍّ وَسَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ انْقِضَاءُ حَاجَتِهِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ أَوْ كَثِيرَةٍ بَعْدَ أَنْ يُحْتَمَلَ انْقِضَاؤُهَا فِي مُدَّةٍ لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ السَّفَرِ بِهَا (بِلَا نِيَّةِ إقَامَةٍ تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ) وَهِيَ إقَامَةُ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً (وَلَا يَعْلَمُ قَضَاءَ الْحَاجَةِ قَبْلَ الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةٍ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً.(وَلَوْ) كَانَ الْعِلْمُ (ظَنًّا) لِإِجْرَائِهِ مَجْرَى الْيَقِينِ، حَيْثُ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ (أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا، أَوْ حَبَسَهُ مَطَرٌ أَوْ مَرَضٌ وَنَحْوُهُ) كَثَلْجٍ وَجَلِيدٍ (قَصَرَ أَبَدًا)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ مَعْمَرٌ بِرَاوِيَتِهِ مُسْنَدًا وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ مُرْسَلًا. «وَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَقَامَ فِيهَا تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَنَسٌ أَقَامَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَامَهُرْمُزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ مَا لَمْ يَجْمَعْ إقَامَةً وَلَوْ أَتَى عَلَيْهِ سُنُونَ وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَقَدْ حَالَ الثَّلْجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ فَإِنْ حُبِسَ بِحَقٍّ لَمْ يَقْصُرْ وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ يَقْصُرُ الَّذِي يَقُولُ: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، أَخْرُجُ غَدًا: شَهْرًا وَعَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ أَقَامَ فِي بَعْضِ قُرَى الشَّامِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ (فَإِنْ) أَقَامَ لِحَاجَةٍ، وَ(عَلِمَ) أَوْ ظَنَّ (أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ) كَمَا لَوْ نَوَى إقَامَةً أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ.قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَنْقَضِي إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْقَصْرِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ.(وَمَنْ رَجَعَ إلَى بَلَدٍ) كَأَنْ (أَقَامَ بِهِ مَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ) وَلَمْ يَنْوِ حَالَ الْعَوْدِ إقَامَةً بِهِ تَمْنَعُ الْقَصْرَ (قَصَرَ، حَتَّى فِيهِ، نَصًّا)؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ، وَلَيْسَ كَمَنْ مَرَّ بِوَطَنِهِ.(وَإِنَّ عَزَمَ عَلَى إقَامَةٍ طَوِيلَةٍ فِي رُسْتَاقٍ) أَيْ نَاحِيَةٍ مِنْ أَطْرَافِ الْإِقْلِيمِ وَالْمُرَادُ بِهِ: الْمُعَامَلَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى أَمْكِنَةٍ (يَنْتَقِلُ فِيهِ) أَيْ الرُّسْتَاقِ (مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ لَا يَجْمَعُ) أَيْ لَا يَعْزِمُ مِنْ جَمْعٍ بِمَعْنَى نَوَى (عَلَى الْإِقَامَةِ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا) أَيْ الْقُرَى (مُدَّةً تُبْطِلُ حُكْمَ السَّفَرِ) أَيْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (قَصَرَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَقَامَ عَشَرًا بِمَكَّةَ وَعَرَفَةَ وَمِنًى يَقْصُرُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ كُلِّهَا») كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ نَوَى إقَامَةً بِشَرْطٍ كَأَنْ يَقُولَ: إنْ لَقِيتَ فُلَانًا فِي هَذَا الْبَلَدِ أَقَمْتَ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ) فِي الْبَلَدِ (فَلَهُ حُكْمُ السَّفَرِ) لِعَدَمِ الشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ الْإِقَامَةَ.(وَإِنْ لَقِيَهُ بِهِ صَارَ مُقِيمًا) لِاسْتِصْحَابِهِ حُكْمَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ (إنْ لَمْ يَكُنْ فَسَخَ نِيَّتَهُ الْأُولَى) لِلْإِقَامَةِ (قَبْلَ لِقَائِهِ أَوْ حَالَ لِقَائِهِ) فَإِنْ فَسَخَهَا إذَنْ فَلَهُ الْقَصْرُ.(وَإِنْ فَسَخَ) النِّيَّةَ (بَعْدَ لِقَائِهِ، فَهُوَ كَمُسَافِرٍ نَوَى الْإِقَامَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ الْقَصْرِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ السَّفَرُ قَبْلَ تَمَامِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ فِي مَوْضِعِ إقَامَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ ثَبَتَ لَهُ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ أَشْبَهَ وَطَنَهُ (حَتَّى يَشْرَعَ فِي السَّفَرِ) وَيُفَارِقَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ كَمَا تَقَدَّمَ.(وَالْمَلَّاحُ) صَاحِبُ السَّفِينَةِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (الَّذِي مَعَهُ أَهْلُهُ فِي السَّفِينَةِ، أَوْ لَا أَهْلَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ بِبَلَدٍ لَا يَتَرَخَّصُ) بِقَصْرٍ وَلَا فِطْرٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاعِنٍ عَنْ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ أَشْبَهَ الْمُقِيمَ وَلِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِلسَّفَرِ الْمُبِيحِ كَوْنُهُ مُنْقَطِعًا، بِخِلَافِ الدَّائِمِ (فَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ الْمَلَّاحِ (أَهْلٌ وَلَيْسُوا مَعَهُ، تَرَخَّصَ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسَافِرِينَ،؛ لِأَنَّ الشَّبَهَ حَقِيقَةٌ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ (وَمِثْلُهُ) أَيْ الْمَلَّاحِ فِي التَّفْصِيلِ السَّابِقِ (مُكَارٍ وَرَاعٍ وَفَيْجٌ) بِالْجِيمِ (وَهُوَ رَسُولُ السُّلْطَانِ وَبَرِيدٌ وَنَحْوُهُمْ) كَالسَّاعِي، فَلَا يَتَرَخَّصُونَ إذَا كَانَ مَعَهُمْ أَهْلُهُمْ وَلَيْسَ لَهُمْ نِيَّةُ إقَامَةٍ بِبَلَدٍ (نَصًّا) وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَهْلٌ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَهْلٌ وَلَيْسُوا مَعَهُمْ، فَلَهُمْ التَّرَخُّصُ.(وَعَرَبُ الْبَدْوِ الَّذِينَ حَيْثُ وَجَدُوا الْمَرْعَى رَعَوْهُ يُصَلُّونَ تَمَامًا،؛ لِأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ فِي أَوْطَانِهِمْ) وَلَا يُبَاحُ لَهُمْ الْفِطْرُ بِرَمَضَانَ لِذَلِكَ (فَإِنْ كَانَ لَهُمْ سَفَرٌ مِنْ الْمَصِيفِ إلَى الْمَشْتَى، وَمِنْ الْمَشْتَى إلَى الْمَصِيفِ كَمَا لِلتَّرْكِ فَإِنَّهُمْ يَقْصُرُونَ فِي مُدَّةِ هَذَا السَّفَرِ) حَيْثُ بَلَغَ الْمَسَافَةَ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ (وَكُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَالْفِطْرُ) لِوُجُودِ مُبِيحِهِمَا، وَهُوَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ.(وَلَا عَكْسَ) أَيْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ وَالْجَمْعُ أُبِيحَ لَهُ الْقَصْرُ (؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ) مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ أَوْ الْجَمْعُ (لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي) إتْمَامِ (الصَّلَاةِ) بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَ(قَدْ يَنْوِي الْمُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ وَيَقْطَعُهَا مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ مِثْلًا، فَيُفْطِرُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ) إذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَلَاةٌ يَقْصُرُهَا أَوْ يُتِمُّهَا.(قَالَ الْأَصْحَابُ) مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ (الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ) الَّذِي يَبْلُغُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ (أَرْبَعَةٌ الْقَصْرُ، وَالْجَمْعُ، وَالْمَسْحُ) عَلَى الْخُفِّ وَنَحْوِهِ (ثَلَاثًا وَالْفِطْرُ) بِرَمَضَانَ، وَأَمَّا أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَاحِلَتِهِ إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ فَلَا تَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ..(فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ) بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ: (وَلَيْسَ) الْجَمْعُ (بِمُسْتَحَبٍّ، بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ) لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ (غَيْرَ جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ) فَيُسَنَّانِ بِشَرْطِهِ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِمَا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَجُوزُ) الْجَمْعُ (بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ) فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا (وَ) بَيْنَ (الْعِشَاءَيْنِ فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا) فَهَذِهِ الْأَرْبَعُ هِيَ الَّتِي تُجْمَعُ: الظُّهْرُ، وَالْعَصْرُ، وَالْمَغْرِبُ، وَالْعِشَاءُ فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا أَمَّا الْأُولَى، وَيُسَمَّى جَمْعُ التَّقْدِيمِ، أَوْ الثَّانِيَةُ، وَيُقَالُ لَهُ جَمْعُ التَّأْخِيرِ فِي ثَمَانِ حَالَاتٍ إحْدَاهَا (لِمُسَافِرٍ يَقْصُرُ) أَيْ يُبَاحُ لَهُ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ، بِأَنْ يَكُونَ السَّفَرُ غَيْرَ مَكْرُوهٍ وَلَا حَرَامٍ؛ وَيَبْلُغُ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ لِمَا رَوَى مُعَاذٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إلَى الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ وَكَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَعَنْ أَنَسٍ مَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَازِلًا أَوْ سَائِرًا فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَوْ التَّأْخِيرِ وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ إلَّا لِسَائِرٍ (فَلَا يَجْمَعُ مَنْ لَا) يُبَاحُ لَهُ أَنْ (يَقْصُرَ، كَمَكِّيٍّ وَنَحْوِهِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ).قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: أَمَّا الْمَكِّيُّ وَمَنْ هُوَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ عَرَفَةَ وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَاَلَّذِي يَنْوِي الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ فَوْقَ عِشْرِينَ صَلَاةً، فَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ الْجَمْعُ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُسَافِرِينَ سَفَرَ قَصْرٍ.(وَ) الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ (الْمَرِيضُ يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ) أَيْ الْجَمْعِ (مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ».وَفِي رِوَايَةٍ «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» رَوَاهمَا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا عُذْرَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الْمَرَضُ.وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الْجَمْعِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَهِيَ نَوْعُ مَرَضٍ وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ الْمَرَضَ أَشَدُّ مِنْ السَّفَرِ وَاحْتَجَمَ بَعْدَ الْغُرُوبِ ثُمَّ تَعَشَّى، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا.تَنْبِيهٌ:قَوْلُهُ مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ هَكَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْمُقْنِعِ، وَتَابَعَهُ فِي التَّنْقِيحِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ فِي الْمُبْدِعِ وَلَا الْإِنْصَافِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْفُرُوعِ وَضَعْفٌ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَحَكَاهُ فِي شَرْحِهِ بِقِيلَ (وَ) الْحَالُ الثَّالِثَةُ (لِمُرْضِعٍ لِمَشَقَّةِ كَثْرَةِ النَّجَاسَةِ) أَيْ مَشَقَّةِ تَطْهِيرِهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ.قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هِيَ كَمَرِيضٍ (وَ) الْحَالُ الرَّابِعَةُ (لِعَاجِزٍ عَنْ الطَّهَارَةِ) بِالْمَاءِ (أَوْ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ) لِأَنَّ الْجَمْعَ أُبِيحَ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ لِلْمَشَقَّةِ، وَالْعَاجِزُ عَنْ الطَّهَارَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ فِي مَعْنَاهُمَا.الْحَالُ الْخَامِسَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ) عَاجِزٍ (عَنْ مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ كَأَعْمَى) وَمَطْمُورٍ (أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ) قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ.(وَ) الْحَالُ السَّادِسَةُ (لِمُسْتَحَاضَةٍ وَنَحْوِهَا) كَصَاحِبِ سَلَسِ بَوْلٍ أَوْ مَذْيٍ أَوْ رُعَافٍ دَائِمٍ وَنَحْوِهِ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ حَمْنَةَ حِينَ اسْتَفْتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِحَاضَةِ، حَيْثُ قَالَ فِيهِ «فَإِنْ، قَوِيت عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ ثُمَّ تُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَافْعَلِي» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَنَحْوُهُ فِي مَعْنَاهَا.(وَ) الْحَالُ السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ (لِمَنْ لَهُ شُغْلٌ أَوْ عُذْرٌ يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ) كَخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ مَالِهِ، أَوْ تَضَرُّرٍ فِي مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا بِتَرْكِ الْجَمْعِ وَنَحْوِهِ.قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُشَيْشٍ الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ إذَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ شُغْلٍ (وَاسْتَثْنَى جَمْعٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْوَجِيزِ (النُّعَاسَ) قَالَ فِي الْوَجِيزِ: عَدَا النُّعَاسَ وَنَحْوَهُ.(وَفِعْلُ الْجَمْعِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً أَوْلَى مِنْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ) لِعُمُومِ حَدِيثِ «خَيْرُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» (بَلْ تَرْكُ الْجَمْعِ مَعَ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ بِدْعَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ إذْ السُّنَّةُ أَنْ تُصَلَّى الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي الْمَسَاجِدِ جَمَاعَةً وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ مُفَرَّقَةً بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ الْجَمْعَ كَ) الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ.(وَ) الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، (وَ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ، قَالَهُ الشَّيْخُ) ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْذَارَ السَّابِقَةَ تُبِيحُ الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ.ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْأَعْذَارِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْعِشَاءَيْنِ وَهِيَ سِتَّةٌ فَقَالَ: (وَيَجُوزُ) الْجَمْعُ (بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لَا الظُّهْرَيْنِ لِمَطَرٍ يَبُلُّ الثِّيَابَ، زَادَ جَمْعٌ: أَوْ) يَبُلُّ (النَّعْلَ أَوْ الْبَدَنَ، وَتُوجَدُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ) رَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ» وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَ(لَا) يُبَاحُ الْجَمْعُ لِأَجْلِ (الظِّلِّ) وَلَا لِمَطَرٍ خَفِيفٍ لَا يَبُلُّ الثِّيَابَ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ.(وَ) يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ دُونَ الظُّهْرَيْنِ (لِثَلْجٍ وَبَرَدٍ) لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْمَطَرِ.(وَ) يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لِ (جَلِيدٍ) لِأَنَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ (وَوَحْلٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ).قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَجْمَعُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ لَيْلًا وَزَادَ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي مَعَ ظُلْمَةٍ.قَالَ الْقَاضِي: وَإِذَا جَاءَ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ لِأَجْلِ الْبَرْدِ كَانَ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْوَحْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَشَقَّةَ الْبَرْدِ بِأَعْظَمَ مِنْ مَشَقَّةِ الْوَحْلِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ «جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» وَلَا وَجْهَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا الْوَحْلُ أَيْ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَرَضِ.قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ الْعُذْرِ وَالنَّسْخِ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى فَائِدَةٍ، فَيُبَاحُ الْجَمْعُ مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ (حَتَّى لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، أَوْ) يُصَلِّي (فِي مَسْجِدِ طَرِيقِهِ تَحْتَ سَابَاطٍ وَلِمُقِيمٍ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ) كَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ خُطُوَاتٌ يَسِيرَةٌ.(وَلَوْ لَمْ يَنَلْهُ إلَّا يَسِيرٌ) لِأَنَّ الرُّخْصَةَ الْعَامَّةَ يَسْتَوِي فِيهَا وُجُودُ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمُهَا كَالسَّفَرِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ هَذِهِ بِالْعِشَاءَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِيهِمَا وَمَشَقَّتُهُمَا أَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يُفْعَلَانِ فِي الظُّلْمَةِ وَمَشَقَّةُ السَّفَرِ لِأَجْلِ السَّيْرِ وَفَوَاتِ الرُّفْقَةِ بِخِلَافِ مَا هُنَا.(وَفِعْلُ الْأَرْفَقِ بِهِ) أَيْ بِمَنْ يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ (مِنْ تَأْخِيرٍ وَتَقْدِيمٍ أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ) لِحَدِيثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ.قَالَ الْبُخَارِيُّ: قُلْت لَهُ مَعَ مَنْ كَتَبْت هَذَا عَنْ اللَّيْثِ قَالَ: مَعَ خَالِدٍ الْمَدَائِنِيِّ.قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَخَالِدٌ هَذَا كَانَ يُدْخِلُ الْأَحَادِيثَ عَلَى الشُّيُوخِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ «وَأَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا» رَوَاه مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتُ الْإِسْنَادِ؛ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ، فَلَمْ يَخْتَصَّ بِحَالَةٍ كَسَائِرِ رُخَصِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ السَّيْرِ؛ وَحُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ (سِوَى جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فَيُقَدِّمُ) الْعَصْرَ (فِي عَرَفَةَ) وَيُصَلِّيهَا مَجْمُوعَةً مَعَ الظُّهْرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ (وَيُؤَخِّرُ) الْمَغْرِبَ لِيَجْعَلَهَا مَعَ الْعِشَاءِ (فِي مُزْدَلِفَةَ) عِنْدَ وُصُولِهِ إلَيْهَا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاشْتِغَالِهِ وَقْتَ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ بِالدُّعَاءِ، وَوَقْتَ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ بِالسَّيْرِ إلَيْهَا (فَإِنْ اسْتَوَيَا) أَيْ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الرِّفْقِ (فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَفِيهِ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ وَعَمَلٌ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا (سِوَى جَمْعِ عَرَفَةَ) فَالتَّقْدِيمُ فِيهِ أَفْضَلُ، لِمَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ الْأَرْفَقُ بِهِ التَّأْخِيرَ، اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ.(وَيُشْتَرَطُ لِلْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى) ظُهْرًا كَانَتْ أَوْ مَغْرِبًا، وَهُوَ جَمْعُ التَّقْدِيمِ (ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ) أَحَدُهَا (نِيَّةُ الْجَمْعِ عِنْدَ إحْرَامِهَا) لِأَنَّهُ عَمَلٌ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَكُلُّ عِبَادَةٍ اُشْتُرِطَتْ فِيهَا النِّيَّةُ اُعْتُبِرَتْ فِي أَوَّلِهَا كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْجَمْعِ عِنْدَ إحْرَامِ الثَّانِيَةِ.(وَتَقْدِيمِهَا) أَيْ الْأُولَى (عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْجَمْعَيْنِ) أَيْ جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَلَا يَخْتَصُّ هَذَا الشَّرْطُ بِجَمْعِ التَّقْدِيمِ (فَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ (كَالتَّرْتِيبِ فِي الْفَوَائِتِ يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ) لِأَنَّ إحْدَاهُمَا هُنَا تَبَعٌ لِاسْتِقْرَارِهِمَا كَالْفَوَائِتِ.قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيّ: التَّرْتِيبُ مُعْتَبَرٌ هُنَا لَكِنْ يُشْتَرَطُ الذِّكْرُ كَتَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ ا هـ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ.قَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَيُشْتَرَطُ لَهُ أَيْ لِلْجَمْعِ تَرْتِيبٌ مُطْلَقًا.(وَ) الثَّانِي (الْمُوَالَاةُ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ لِأَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمُتَابَعَةُ وَالْمُقَارَنَةُ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ التَّفْرِيقِ الطَّوِيلِ (إلَّا بِقَدْرِ إقَامَةٍ وَوُضُوءٍ خَفِيفٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَهُمَا مِنْ مَصَالِحِ الصَّلَاةِ، وَظَاهِرُهُ تَقْدِيرُ الْيَسِيرِ بِذَلِكَ وَصَحَّحَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ: أَنْ يُرْجِعَهُ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ فَإِنْ طَالَ الْوُضُوءُ بَطَلَ الْجَمْعُ (وَلَا يَضُرُّ كَلَامٌ يَسِيرٌ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى قَدْرِ الْإِقَامَةِ وَالْوُضُوءِ الْخَفِيفِ (مِنْ تَكْبِيرِ عِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَذِكْرٍ وَتَلْبِيَةٍ.(وَلَوْ) كَانَ الْكَلَامُ (غَيْرَ ذِكْرٍ) كَالسُّكُوتِ الْيَسِيرِ (فَإِنْ صَلَّى السُّنَّةَ الرَّاتِبَةَ وَغَيْرَهَا بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ (لَا) إنْ سَجَدَ بَيْنَهُمَا (سُجُودَ السَّهْوِ) وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْأُولَى (بَطَلَ الْجَمْعُ) لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِصَلَاةٍ كَمَا لَوْ قَضَى فَائِتَةً وَلَوْ لَمْ تَطُلْ الصَّلَاةُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُبْدِعِ وَأَمَّا سُجُودُ السَّهْوِ بَيْنَهُمَا فَلَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، وَمِنْ تَعَلُّقِ الْأُولَى وَتَقَدَّمَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ كَلَامُ الْفُصُولِ أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَهُمَا.(وَ) وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ الْعُذْرُ) الْمُبِيحُ لِلْجَمْعِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ (مَوْجُودًا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاتَيْنِ) الْمَجْمُوعَتَيْنِ (وَ) عِنْدَ (سَلَامِ الْأُولَى) لِأَنَّ افْتِتَاحَ الْأُولَى مَوْضِعُ النِّيَّةِ وَفَرَاغِهَا، وَافْتِتَاحَ الثَّانِيَةِ مَوْضِعُ الْجَمْعِ.(فَلَوْ أَحْرَمَ) نَاوِي الْجَمْعِ (بِالْأُولَى) مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ (مَعَ وُجُودِ مَطَرٍ، ثُمَّ انْقَطَعَ) الْمَطَرُ.(وَلَمْ يُعِدْ، فَإِنْ حَصَلَ وَحْلٌ) لَمْ يَبْطُلْ الْجَمْعُ لِأَنَّ الْوَحْلَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ، وَهُوَ نَاشِئٌ مِنْ الْمَطَرِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْمَطَرُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَحْلٌ (بَطَلَ الْجَمْعُ) لِزَوَالِ الْعُذْرِ الْمُبِيحِ لَهُ فَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا.(وَإِنْ شَرَعَ فِي الْجَمْعِ مُسَافِرٌ لِأَجْلِ السَّفَرِ، فَزَالَ سَفَرُهُ) بِوُصُولِهِ إلَى وَطَنِهِ أَوْ نِيَّتِهِ الْإِقَامَةَ (وَوُجِدَ وَحْلٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ مَطَرٌ بَطَلَ الْجَمْعُ) لِزَوَالِ مُبِيحِهِ وَالْعُذْرُ الْمُتَجَدِّدُ غَيْرُ حَاصِلٍ عَنْ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْوَحْلِ بَعْدَ الْمَطَرِ.(وَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْعُذْرِ إلَى فَرَاغِ الثَّانِيَةِ فِي جَمْعِ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ) كَثَلْجٍ وَبَرَدِ إنْ خَلَّفَهُ وَحْلٌ (بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ) فَيُشْتَرَطُ اسْتِمْرَارُهُ إلَى فَرَاغِ الثَّانِيَةِ (فَلَوْ انْقَطَعَ السَّفَرُ فِي الْأُولَى بِنِيَّةِ إقَامَةٍ وَنَحْوِهَا) كَمُرُورِهِ بِوَطَنِهِ أَوْ بَلَدٍ لَهُ بِهِ امْرَأَةٌ (بَطَلَ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ كَمَا تَقَدَّمَ) لِزَوَالِ مُبِيحِهِمَا.(وَيُتِمُّهَا) أَيْ الْأُولَى (وَتَصِحُّ) فَرْضًا لِوُقُوعِهَا فِي وَقْتِهَا وَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا (وَإِنْ انْقَطَعَ) السَّفَرُ (فِي الثَّانِيَةِ بَطَلَا) أَيْ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ (أَيْضًا) لِزَوَالِ مُبِيحِهَا.(وَيُتِمُّهَا نَفْلًا) كَمَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ غَيْرُ عَالِمٍ (وَمَرِيضٌ كَمُسَافِرٍ) فِي جَمْعٍ (فِيمَا إذَا بَرِئَ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَإِنْ جَمَعَ) جَمْعَ تَأْخِيرٍ (فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ) اُشْتُرِطَ لَهُ شَرْطَانِ.أَحَدُهُمَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (كَفَاهُ) أَيْ أَجْزَأَهُ (نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى) لِأَنَّهُ مَتَى أَخَّرَهَا عَنْ وَقْتِهَا بِلَا نِيَّةٍ صَارَتْ قَضَاءً لَا جَمْعًا (مَا لَمْ يَضِقْ) وَقْتُ الْأُولَى (عَنْ فِعْلِهَا، فَإِنْ ضَاقَ) وَقْتُ الْأُولَى عَنْ فِعْلِهَا (لَمْ يَصِحَّ الْجَمْعُ) لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا إلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَضِيقُ عَنْ فِعْلِهَا حَرَامٌ (وَأَثِمَ بِالتَّأْخِيرِ) لِمَا تَقَدَّمَ.(وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي: (اسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ) مِنْهُمْ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ لِلْجَمْعِ الْعُذْرُ.فَإِذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي، كَالْمَرِيضِ يَبْرَأُ، وَالْمُسَافِرِ يَقْدَمُ، وَالْمَطَرِ يَنْقَطِعُ (وَلَا أَثَرَ لِزَوَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا وَاجِبَتَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ فِعْلِهِمَا وَيُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ فِي الْجَمْعَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ إنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُمَا.قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ ضَاقَ وَقْتُ الْأُولَى عَنْ إحْدَاهُمَا، فَفِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ لِضِيقِهِ وَجْهَانِ (وَلَا تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ) فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ (فَلَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ بَيْنَهُمَا نَصًّا) وَلَا تُشْتَرَطُ أَيْضًا نِيَّةُ الْجَمْعِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مَفْعُولَةٌ فِي وَقْتِهَا، فَهِيَ أَدَاءٌ بِكُلِّ حَالٍ.(وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَمْعِ) تَقْدِيمًا كَانَ أَوْ تَأْخِيرًا (اتِّحَادُ إمَامٍ وَلَا مَأْمُومٍ فَلَوْ صَلَّى) مَنْ يَجْمَعُ (الْأُولَى وَحْدَهُ، ثُمَّ الثَّانِيَةَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ صَلَّى إمَامٌ الْأُولَى وَإِمَامٌ) آخَرُ (الثَّانِيَةَ أَوْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ مَأْمُومٌ الْأُولَى وَآخَرُ الثَّانِيَةَ أَوْ نَوَى الْجَمْعَ خَلْفَ مَنْ لَا يَجْمَعُ، أَوْ) نَوَى الْجَمْعَ إمَامًا (بِمَنْ لَا يَجْمَعُ صَحَّ) الْجَمْعُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا لِأَنَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ حُكْمَ نَفْسِهَا وَهِيَ مُنْفَرِدَةٌ بِنِيَّتِهَا فَلَمْ يُشْتَرَطْ اتِّحَادُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، كَغَيْرِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ (تَتِمَّةٌ) إذَا بَانَ فَسَادُ الْأُولَى بَعْدَ الْجَمْعِ بِنِسْيَانِ رُكْنٍ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَتْ، وَكَذَا الثَّانِيَةُ، فَلَا جَمْعَ وَلَا تَبْطُلُ الْأُولَى بِبُطْلَانِ الثَّانِيَةِ وَلَا الْجَمْعُ إنْ صَلَّاهَا قَرِيبًا، وَإِنْ تَرَكَ رُكْنًا وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّهِمَا تَرَكَهُ، أَعَادَهُمَا إنْ بَقِيَ الْوَقْتُ وَإِلَّا قَضَاهُمَا.
|